إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
شروط صحة السلم
يصح السلم في كل ما ينضبط بالصفة رأس> إذا ضبطه بجميع صفاته التي يختلف بها الثمن، وذكر أجله، وأعطاه الثمن قبل التفرق. عن ابن عباس اسم> -رضي الله عنهما- قال: رسم> قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة اسم> وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم متن_ح> رسم> .
قوله: (يصح السلم في كل ما ينضبط بالصفة: إذا ضبطه بجميع صفاته... إلخ):
يعني: أن الأشياء التي لا تنضبط بالصفة لا يصح فيها السلم، ولذلك قال بعضهم: إن الشيء الذي تدخله الصناعة لا ينضبط بالصفة؛ لهذا قالوا: لا يصح السلم في الأواني؛ لأنها تدخلها الصناعة.
ولكن في نظري أنه يصح السلم فيها؛ لأنها الآن تنضبط بالصفة؛ حيث تصنع بالماكينة، ولا تصنع بالأيدي، فقديما كانوا يصنعون القدر والصحن والقدح بأيديهم، وتختلف لذلك؛ فهذه ثقيلة، وهذه خفيفة، وهذه حديدها صاف، وهذه حديدها غير صاف، فيقع اختلاف، أما الآن فحيث إنها تصنع بالماكينة، فيصح السلم فيها.
ويصح السلم كذلك في كل المصنوعات من أصغرها كالإبر والملاعق والسكاكين، إلى أكبرها كالسيارات والطائرات والماكينات.
فمثلا لو اتفق تاجر مع إحدى الشركات المصنعة على تصنيع نوع معين من السكاكين، وقال: أنا أريد أن تصنعوا لي مائة ألف حبة من هذا السكين، وأدفع لكم ثمنها مقدما، على أن تكون قيمتها كذا، وترسل لي بعد خمسة أشهر مثلا، فيشتريها منهم بثمن رخيص مقابل دفع المبلغ لهم مقدما، وهذا هو السلم.
وهكذا يصح السلم في السيارات رأس> فلو أراد تاجر شراء عدد من السيارات فإنه يتفق معهم على قيمة رخيصة للسيارة مقابل أن يدفع لهم قيمتها مقدما، وأن ترسل له بعد مدة محددة، ولكن يلزم أن يحدد نوع السيارة ولونها وحديدها وأدواتها وزمان صنعها؛ لأن الثمن يختلف باختلاف الصفات.
والحاصل أن السلم يصح في كل شيء إذا ضبط بجميع صفاته.
ولا بد من ذكر الأجل؛ كأن يكون بعد خمسة أشهر أو بعد ثلاثة أشهر.
ولا بد من دفع الثمن مقدما قبل التفرق، فتسليم الثمن يكون بمجلس العقد.
قوله: (عن ابن عباس اسم> -رضي الله عنهما- قال: رسم> قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة اسم> وهم يسلفون متن_ح> رسم> الخ):
وذلك لأن أغلب ما كانوا يسلفون فيه المكيل والموزون، فيسلفون في القطن مثلا وهو موزون، فيسلفون في الصوف وهو موزون، فيشتري- مثلا- من صاحب غنم مائتي رطل من الصوف، ولكن صاحب الغنم ما عنده صوف الآن، والصوف ينبت بعد خمسة أشهر أو بعد ستة أشهر، فإذا نبت الصوف بعد خمسة أشتهر أخذه من الغنم وسلمه للمشتري، فلا بد أن يقول: صوف أغنام أو صوف ضأن، لونه كذا، ونوعه كذا.
وكذلك أيضا الكيل، فيكون الكيل معلوما، فالتمركان يكال، والمكيل بصفة عامة هو الذي كانوا يكيلونه في المدينة، وكذا الزبيب يباع بالكيل، وما أشبهها، فإذا قال: اشتريت منك- مثلا- مائة صاع من زبيب تؤديها لي بعد خمسة أشهر، بشرط أن تبيعني الصاع بريال واحد فقط مع أن سعره الآن ثلاثة ريالات أو كثر، ولكن هو بحاجة إلى الدراهم، وأنت بحاجة إلى الربح، ولست بحاجة إلى هذه الدراهم، فتشتري منه هذا الزبيب- مثلا- في ذمته، فإذا حل فإنه يوفيك سواء كان عنده شجر عنب أو ليس عنده، وهكذا التمور ونحوها.
وقوله: ( رسم> يسلفون في الثمار متن_ح> رسم> )، سواء كانت هذه الثمار تدخر كالزبيب أو لا تدخر كالخوخ، فبعضهم يقدم سنة، وبعضهم يقدم سنتين، فيقول: اشتريت منك وتؤديني بعد سنتين، وتشتري بربع الثمن، وبعضهم سنة.
والحاصل أنه -عليه السلام- قد حدد لهم: رسم> من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم متن_ح> رسم> كمائة صاع أو مائتين، رسم> أو وزن معلوم متن_ح> رسم> فكانوا يبيعون ذاك الوقت بالرطل، فيقول: مائة رطل أو مائتي رطل، رسم> إلى أجل معلوم متن_ح> رسم> كخمسة أشهر أو ستة أشهر أو سنة أو سنتين، فلا بد من تحديد ذلك.
مسألة>